Translate

الجمعة، 10 فبراير 2012

استباحة الوطن وتقسيم الدولة‮!‬


بقلم‮ :‬ ياســـر رزق‮ ‬

سألني راديو‮ »‬سوا‮« ‬الأمريكي عن رأيي في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات حقوقية وجمعيات أهلية مصرية،‮ ‬وإغلاق فروع لمؤسسات أمريكية في مصر،‮ ‬وإحالة متهمين في تلك القضية إلي محكمة الجنايات‮.‬
قلت‮: ‬إنني ابتداءً‮ ‬ضد التضييق علي العمل الأهلي،‮ ‬وبنفس القدر فإنني ضد مخالفة القانون وانتهاك السيادة الوطنية تحت أي مسمي‮.‬
وقلت إن أصل الموضوع في هذه القضية،‮ ‬هو تلقي تلك المنظمات والجمعيات المصرية أموالاً‮ ‬من دول أجنبية دون اتباع القواعد التي ينص عليها القانون المصري،‮ ‬وكذلك قيام مؤسسات أمريكية هي‮ »‬المعهد الجمهوري‮«‬،‮ ‬و»المعهد الديمقراطي‮«‬،‮ ‬التابعان للحزبين الأكبر في الحياة السياسية الأمريكية،‮ ‬ومعهما منظمة‮ »‬فريدم هاوس‮« ‬بإنشاء فروع لها في مصر ومباشرة أنشطتها دون الحصول علي ترخيص أو إذن من السلطات المصرية المختصة‮.‬
ثم سألت مقدم البرنامج‮: ‬لو أن حزب‮ »‬الحرية والعدالة‮« ‬مثلاً‮ ‬أسس فرعاً‮ ‬له في الولايات المتحدة،‮ ‬أو أنشأ مؤسسة تابعة له،‮ ‬للقيام بأنشطة تدريب لكوادر أمريكية واجراء استطلاعات رأي وبحوث مسحية في قطاعات من المجتمع الأمريكي،‮ ‬دون أن يحصل علي رخصة من السلطات الأمريكية،‮ ‬ألن يتم إغلاق الفرع واعتقال القائمين عليه،‮ ‬وربما توجه لهم تهم التخطيط لأعمال إرهابية؟‮!‬
وسألني مقدم البرنامج‮: ‬هل تعتقد أن المجلس العسكري‮ ‬سيستجيب للمطالبات الأمريكية ويغلق هذا الملف،‮ ‬ثم إلي أي مدي ستتضرر العلاقات المصرية الأمريكية بهذه القضية،‮ ‬لاسيما في شأن المساعدات العسكرية التي تقدر بنحو ‮٣.١ ‬مليار دولار سنوياً؟‮!‬
قلت‮: ‬المشكلة أن الإدارة الأمريكية تتعامل بوجهين في هذا الموضوع،‮ ‬فهي تتحدث علنا عن ضرورة استقلال القضاء المصري،‮ ‬وفي السر تطالب المجلس العسكري بالتدخل في شئون القضاء‮. ‬والحق أن المجلس لا يملك هذا،‮ ‬ولا يستطيع‮. ‬وحتي لو أراد ـ هو لا يقدر ـ فإن القضاء لن‮ ‬يستجيب‮.‬
أما عن المساعدات العسكرية أو‮ ‬غيرها،‮ ‬فلا أظن أن الشعب المصري أو سلطاته بما فيها المجلس العسكري،‮ ‬يمكن أن يقايض كرامته الوطنية واستقلال قراره بأي مال‮.‬

المسألة في قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية والأهلية ليست مجرد مخالفة نصوص قانون،‮ ‬انما هي في الاستباحة الفاضحة للسيادة المصرية،‮ ‬فهناك ‮٥٤١ ‬مليون دولار قدمتها الولايات المتحدة لهذه المنظمات خلال ثلاثة شهور فقط من العام الماضي،‮ ‬بالتحديد من الشهر التالي لسقوط مبارك إلي شهر يونيو من نفس العام‮. ‬وعلي حد علمي،‮ ‬فإن القوي الكبري ليست منظمات خيرية توزع زكاة وصدقات ابتغاء مرضاة الله‮!‬
الأخطر هو قضية المعهدين الجمهوري والديمقراطي فالمسألة لا تتعلق فقط بالاستهانة بالقوانين المصرية،‮ ‬وانما بتنفيذ مخطط أمريكي جري الحديث عنه في دوائر البحث ومؤسسات التفكير المصرية،‮ ‬كنوع من الرياضة الفكرية وتصور سيناريوهات بعيدة الاحتمال،‮ ‬وجري تناوله علي استحياء في بعض الصحف المصرية،‮ ‬نقلا عن تسريبات علي مواقع‮ ‬غير رسمية في الفضاء الإليكتروني‮.‬
وربما لا يعرف الكثيرون أن لجان التفتيش القضائية المصرية عثرت في المعهدين علي وثائق تتحدث عن تقسيم مصر إلي خمس دول علي أسس إثنية وطائفية وخرائط تضع حدود هذه الدول المزعومة‮!.. ‬وخطورة الأمر أننا بصدد مؤسستين رسميتين أمريكيتين،‮ ‬ترسمان سياسات الإدارات الأمريكية،‮ ‬والواضح أن مخطط تفسيخ الوطن المصري وتجزئته محل اتفاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وأنه نتاج استراتيجية تتبناها السياسة الأمريكية بغض النظر عمن يحتل الأغلبية في مجلس الكونجرس وعن شخص الرئيس الأمريكي‮!‬
ويبدو أن حالة السيولة التي يشهدها الداخل المصري‮ ‬ومؤسسات الحكم في البلاد منذ قيام ثورة يناير،‮ ‬قد أعطت الانطباع بأن التربة جاهزة والأجواء مواتية والفرصة سانحة لتدشين مخطط التقسيم،‮ ‬استهلالاً‮ ‬بإسقاط دعائم الدولة المصرية وأهمها المؤسسة العسكرية وتحويل البلاد إلي مرتع للفوضي،‮ ‬ينقل المخطط من حيز الخرائط إلي نطاق الفعل علي الأرض‮ !‬

نحن إذن أمام قضية تتجاوز في حدودها خرق القانون،‮ ‬وتتخطي في مدلولها انتهاك السيادة،‮ ‬ولا أبالغ‮ ‬إذا قلت إنها تتعلق بجوهر الأمن الوطني لأي بلد،‮ ‬وهو بقاء الدولة‮.‬
الأمر يتطلب من الجميع،‮ ‬الانتباه للأخطار الخارجية‮ ‬والداخلية التي تحدق بالوطن،‮ ‬والتكاتف في مواجهة حرب إسقاط الدولة التي تشن علي مصر بالوسائل الناعمة والخشنة ومسئولية كل المؤسسات والقوي السياسية وشباب الثورة والنخب الفكرية والصحافة والإعلام وجماهير الشعب بأكملها الحذر من الدعوات التي تهييء الطريق معَّبدا أمام مخططات إسقاط الدولة وتفتيتها،‮ ‬وتحول المرحلة الانتقالية ـ بوعي أو بغير وعي ـ من جسر عبور إلي كمين اصطياد‮!‬


المصدر : الاخبار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون